كميل شمعون وأزمة لبنان 1958

الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون


للبنان طبيعة خاصة متفردة بين الدول العربية بثرائه بالتنوع الكبير في سكانه دينيًا وطائفيًا وعرقيًا وأيضًا سياسيًا، ولم تكن مسألة التنوع سببًا أساسيًا لحروب لبنان على مدار الـ 50 عام الماضية، لكن تم الزج و استخدام الدين والطائفة  في الخلافات السياسية واستخدام الفرقاء للطائفة لجذب وحشد أكبر قدر من المؤيدين والأنصار لهم، كما شهدت لبنان حروب و أزمات أهلية طاحنة عبر النصف قرن الماضي، وكانت بداية الأزمات  السياسية الأهلية بلبنان هي أحداث عام 1958، والتي عرفت بـ"أزمة عام 58"، وذلك إبان حكم كميل شمعون الرئيس الثاني في لبنان بعد الاستقلال.


انتخاب كميل شمعون رئيسًا للبنان

بعد الإطاحة بـ بشارة خوري، الرئيس الأول للبنان في العام 1952 بعد إعلان الاستقلال، بسبب اتهامات الفساد ومحاباته للأقاربه، أجريت انتخابات جائت بـ"كميل شمعون" إلى سُدة الحكم، في مثل هذه الأيام من العام 1952، ليدخل لبنان عهد جديد وخطير في تاريخه الحديث،عهد يحكم لبنان في طاحونة النزاعات الإقليمية و العالمية بين القوى الكبرى بقطبيها الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية.


بداية عهد كميل شمعون


شهد بداية عهد شمعون استقرار سياسي في الداخل اللبناني و حالة من التكاتف الشعبي بعد توقيع "الميثاق الوطني"، لكن التطورات السياسية على الساحة العالمية ألقت بظلالها على لبنان وففي خضم الحرب الباردة بين السوفيت والأمريكان تولى شخصية أثرت في السياسة الإقليمية و العالمية هو "جمال عبد الناصر"، و انقسمت الدول العربية بين مؤيد له ولمشروعه القومي و بين معارضه له ومتقرب للغرب و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، فكان قرار شمعون هو التقرب للغرب ظنًا منه أنه بذلك يحمي سفينة لبنان من أمواج عبد الناصر، الذي كانت تزداد شعبيته وكاريزمته يومًا بعد يوم.


العراق توقع على ميثاق حلف بغداد
حلف بغداد وانقسام العرب

في عام 1954 وتحت رعاية أمريكية تم تشكيل معاهدة صداقة بين الولايات المتحدة و حلفائها تركيا و باكستان وإيران و إنضمت للمعاهدة لاحقًا العراق، فسمى بـ"حلف بغداد"، مما دعا جمال عبد الناصر للوقوف ضد الحلف معتبرًا أنه لا يجب إنشاء أي تحالفات عربية خارح إطار جامعة الدول العربية، فكان شيمعون مقرب للحلف دون التوقيع رسميًا عليه، وذلك برفضه دعوة تركيا لللإنضمام، لكن بعد لك بعام أعلن شمعون إن سياسيات لبنان و تركيا الخارجية متطابقة أي اعتراف ضمني منه بالحذو حذو تحالف بغداد، و التقرب للمعسكر الغربي، في نفس الوقت رفض شمعون التوقيع على حلف الدفاع العربي المشترك الذي قد شكلته مصر بالتعاون مع السعودية وسوريا، ليكون بديلًا عن حلف بغداد.
عمل كميل مشعون على الظهور بمظهر الحيادي بين القوى العظمى و الإنقسام العربي بين الشرق و الغرب، لكنه مال أكثر للمعسكر الغربي. وتجلى ذلك في العام 56، في قيام شمعون بدعوة أعضاء الجامعة العربية للاجتماع في بيروت لبحث أزمة العدوان الثلاثي "فرنسا - إنجلترا - إسرائيل" ضد مصر على خلفية قيام حمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ومن ثم انسحاب القوات المعتدية على مصر بعد تلويح الاتحاد السوفيتي باستخدام السلاح النووي.
جمال عبد الناصر


أدى شعور كميل شمعون بالخطر من شعبية جمال عبد الناصر المتزايدة في أرجاء العالم العربي وصعود نجمه على الساحة الإقليمية و العالمية إلى الاسراع في التوقيع على "اتفاق ايزنهاور" الميثاق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور للدفاع و التعاون المشترك بين الولاد المتحدة و الدولة الصديقة الموقعة على الميثاق، وقال كميل متحججًا إن ميثاق ايزنهاور يضمن للبنان الاستقلالية والسيادة.

بداية الصراعات الداخلية اللبنانية

كان اغتيال الصحفي "نسيب المتيني" رئيس تحرير جريدة التليجراف،وقع خطير على السياسة الداخلية الللبنانية، وقد كتب الصحفي المذكور بكتابة مقال مناهض لكميل شمعون وطالبه بالاستقاله، فتم اغتيال نسيب المتيني عقب المقال، مما وجه أصابع الاتهام للحكومة بالوقوف وراء حادث الاغتيال، لكن لم تُعرف الجهة الحقيقية التي قامت باغتياله.
القيادي المعارض صائب سلام يتوسط أنصار له - 


اغتيال المتني بمثابة نزع فتيل للصراعات الدالية اللبنانية و لأول مرة تتخذ منحى الحرب الأهلية، حيث قامت المعارضة بإعلان العصيان المدني ضد كميل شمعون والحكومة، وتحصين أماكن نفوذهم بالمتاريس وجمع الأسلحة الخفيفة للحماية. فعلى إثر لك قامت الحكومة بإصدار مذكرة توقيف بحق القيادي المعارض "صائب سلّام"، مما أحدث مزيدًا من الاحتقان وحدوث مناوشات بين القوات المعارضة و بين قوات موالية للحكومة وللرئيس شمعون" قوات الكتائب اللبنانية"، وفي هذا الوقت شهد لبنان انقسام خطير في الشعب ما بين مؤيد ومعارض ولم تكن المسألة تتخذ منحنىطائفي ديني بعد، حيث كان من المعارضون موارنة و على رأسهم بطريرك الموانة و شخصيان مارونية أخرى، و من بين المؤيدين الكثير من المسلمين، وهذا ما أكده الكاتب الصحفي اللبناني باسم الجسر، في فيلم وثائقيَا حول أزمة لبنان عام 58.


وقدم لبنان احتجاجًا لدى الأمم المتحدة متهمًا الجمهورية العربية المتحدة "سوريا ومصر" بإمداد المعارضة اللبنانية بالسلاح، وأكد شمعون على تدخلهم في الشئون الداخلية اللبنانية و إثارة المعارضة ضده، وهذا ما نفاه فريق الأمم المتحدة الذي تم إرساله لبحث الأوضاع مؤكدًا عدم صحة ذلك و لا يوجد أي دليل على تدخل الجمهورية العربية المتحدة في لبنان، على لسان جالو بلاسييه رئيس بعثة الأمم المتحدة. أغضب نتيجة التقرير كميل شمعون مشيرًا إلى تفعيل اتفاقية ايزنهاور و إمكانية تدخل أمريكا في لبنان لمساندته، وقد استجابت أمريكا طلبه بإرسال قوات أمريكية للبنان.
في 31 يوليو 1958 انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسًا جديدًا للبلاد خلفًا لـ كميل شمعون المنتهيى ولادته. وبهذا أسدل الستار على عهد خطير و فترة عصيبة في تاريخ لبنان الحديث، بادئًا عهد أكثر أمانَا و استقرارَا و بناء ونهضة عرف بـ "العهد الشهابي".


خلال أحداث 58

كميل شمعون

خلال أحداث 58

كميل شمعون

خلال أحداث 58

خلال أحداث 58

فؤاد شهاب يلتقي جمال عبد الناصر 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بعثة الملك نخاو للدوران حول أفريقيا

اللون البنفسجي.. من لبنان للعالم القديم وأغلى من الدهب

"النوبية".. لغة ولا لهجة؟