الحملة الفرنسية على مصر.. كوارثها وفوايدها!





خلال الأيام القليلة اللي فاتت في حالة استياء ضد الجامعة الفرنسية في القاهرة بسبب إعلان ترويجي للدراسة فيها واتناول نقطة حساسة وهي فترة الاحتلال الفرنسي لمصر (1798 - 1801)، وبالصدفة إن النهاردة الذكرى الـ 171 على وفاة محمد علي باشا اللي اتولى حكم مصر بعد الحملة بـ4 سنين 
 
الإعلان وتقدر تشوفه من هنا .. كان عبارة عن ممثل بيتكلم على إنه نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية قال بالنص (أنا اللي عِشت في مصر 3 سنين بس واسمي بيتردد لحد النهاردة.. أنا اللي جبت معايا علماء أكتر من الجنود.. وأسست المعهد المصري وفكيت رموز حجر رشيد.. أنا اللي أنشأت أول مطابع للقاهرة، وبسببي المصريين اتعلموا فرنساوي وبقى عندهم فرص ثقافية وتجارية في النمسا وكندا وسويسرا.. جيه الوقت اللي نعرف أكتر عن الثقافة الفرنسية وننشر قيم الفن والذوق والجمال.. شارك حملة نابيلون 2020 وادرس في الجامعة الفرنسية)

الإعلان دة خلاني أفكر في كذا حاجة حولين الحملة الفرنسية وأعدد المساوئ اللي حصلت خلالها وبسببها فيما بعد وكمان الإيجابيات، فـ حابب أتكلم في الموضوع بشكل موضوعي وتاريخي من زاويتي، وأطرح تساؤلات بيني وبين نفسي وأحاول أفكر في إجابات ليها واتوصلت للتالي:

- هل الحملة الفرنسية كانت ليها كوارث؟ أكيد طبعًا 
- هل الحملة الفرنسية كان ليها إجابيات بالعموم؟ أكيد طبعًا
- هل محتوى الفيديو حولين نقاط إنشاء المطابع ونشر اللغة الفرنسية وفك رموز حجر/ لوحة رشيد ونشر الفن بشكل عام صحيحة؟ أكيد طبعًا 
- هل العلماء اللي كانوا مع الحملة أكتر من الجنود؟ لا 

- لية أصلًا الحملة الفرنسية على مصر؟
بالرجوع بالزمن للفترة دي أواخر القرن الـ18، فـ كانت خريطة التوسعات والنفوذ للإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية في الوقت دة في صراع كبير ما بين فرنسا وبريطانيا على استحواذ كل منهم على أكبر قدر من المستعمرات الجديدة بل وفي أوروبا ذات نفسها 

فرنسا في سنة 1795، احتلت 7 مقاطعات في هولندا نفسها اللي كانت دولة استعمارية في الوقت دة وليها مستعمرات في آسيا وأفريقيا فـ دة سبب ربكة كبيرة جدًا وهاجس لبريطانيا الخصم القوي للفرنسيين 
وردت باحتلال منطقة "كيب" في جنوب أفريقيا من إيد الهولنديين عشان تقطع الطريق (طريق رأس الرجاء الصالح) على فرنسا إنها تفكر تتجه لاستعمار أماكن جديدة في الهند 

فـ فرنسا ردت بكذا ردة فعل، منها بإرسال أسطول بحري مكون من 36 ألف جندي وصل لمنطقة أبو قير في الإسكندرية المصرية بقيادة نابليون بونابرت بهدف احتلال مصر وقطع الطريق شمال القارة الأفريقية قدام بريطانيا لمستعمراتها للهند 
وفي أسباب تانية طبعًا زي إن مصر كانت خطوة لخطوة تانية وهي إن فرنسا تسيطر على المدينة المقدسة "القدس" لتحسين صورة الثورة الفرنسية اللي كان بيتم تصورها إنها ضد المسيحية فكان لازم تقديم ركز مسيحي مهم وهو القدس، وكمان لتحقيق إنجازات شخصية للقائد نابليون، ولتوسيع التجارة بين فرنسا والشرق 

عبدالرحمن الجبرتي واحد من أشهر المؤرخين في تاريخ مصر وهو عاصر الفترة دي وكتب عنها معلومات دقيقة جدًا وتفصيلية في كذا كتاب له زي "مظهر التقديس" وبعده ألّف كتاب "عجائب الآثار" وسرد فيه أمور كتير بشكل موضوعي عن حال مصر ومنها وجهة نظره عن فرنسا والفرنسيين وحملتهم على مصر

الجبرتي وصف حال مصر الوقت دة إنها كانت في أسوأ حالتها قبل قدوم الفرنسيين وخلال تواجدهم، قبل الحملة الفرنسية كانت مصر في تدهور شديد خلال الحكم العثماني الرسمي والفعلي المملوكي اللي كان فيه مظالم كبيرة وكتيرة للمصريين 

وقال عنها سنة 1784"وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وغور النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الأمراء وانتشار أتباعهم في النواحي لجني الأموال من القرى والبلدان وإحداث المظالم ويسمونها مال الجهات ودفع المظالم حتى أهلكوا الفلاحين وضاق ذرعهم"

وكتب نفس الأمور المتشابهة في السنين اللي بعد كدة لحد ما حلت الحملة الفرنسية على مصر، وكتب مساوئها وكوارثها فـ الفرنسسيين استغلوا بعض الأقليات الدينية غير المسلمة والأجنبية في تقليبهم على المصريين والعكس فعملوا شبه فتنة، وقتلوا آلاف المصريين خلال الـ3 سنين اللي احتلوا القاهرة فيها وقامت خلالها ثورتين تم في الثورة التانية قصف أحياء في القاهرة بالمدافع!

ومع ذلك الجبرتي الشيخ الأزهري شاف الفرنسيين من جانب تاني خالص وذكر دة في كتابة "عجائب الآثار" وعكس نظرته السلبية عنهم اللي ذكرها في كتابه "مظهر التقديس" تمامًا، وإنه بالفعل قدومهم لمصر كشف عن فجوة حضارية وعلمية كبيرة، وأعجب جدًا وأشاد باهتمام الفرنسيين بالعلم والفنون وكتب عن زياراته للمجمع العلمي اللي أنشأوه 

وكتب عن حاجة كانت غريبة تمامًا عن المصريين وهي استخدام العلم دة في حياة الفرنسيين اللي بنسميه دلوقتي التطبيق العملي للتكنولوجيا، وكتب عن عدم استخدام الفرنسيين للسُخرة وإصلاحاتهم في القاهرة زي إعادة بناء مقياسس النيل بالروضة

 وإدخالهم النظم الإدارية الحديثة في الدولة المصرية وكمان نظم العدالة والقانون وتطبيقه وطبعًا توصلم لفك رموز حجر/ لوحة رشيد اللي كانت مفتاح للتعرف على الكتابة المصرية القديمة وأسرار الحضارة

نابليون جاب معاه مطبعة كانت أول ماكينة طباعة تيجي في مصر، وانتهت تجربة الطباعة مع خروجهم من مصر، إلا أن أعادها محمد علي باشا بعد توليه الحكم وأنشئ مطبعة بولاق 

وكمان تواصل الفرنسيين مع مصر والمصريين خلى أوروبا تشوف مصر بوجه نظر مختلفة تمامًا وبقت بالنسبة لهم عالم جديد عاوزين يكتشفوه فسافر لها كتير جدًا من المستشرقين من فرنسا والنمسا وأنحاء أوروبا للتعرف على مصر ورسموا لوحات بديعة 

الجبرتي شأنه شأن المصريين في الزمن دة كان ساخط على العثمانيين والمماليك وحتى الفرنسيين لأنهم كلهم غير مصريين، لكن بالنسبة للفرنسيين كان الموضوع حساس لاختلاف الدين إن "مسيحيين بيحكومهم بغير الإسلام ودي كانت النقطة الجوهرية في الخلاف معاهم/ وكمان عن إصلاحات المساواة بين المسلمين وغير المسلمين زي "محكمة القضايا" اللي كان فيها 12 قاضي نقسهم مسلمين ونصهم التاني مسيحيين

بعد هزمة نابليون ورحيل الفرنسيين عن مصر سنة 1801 الجبرتي فرح جدًا والمصريين بإن الحكم الإسلامي هيرجع تاني لكنهم دخلوا في 4 سنين من الفوضى لحد ثاروا المصريين على الوالي العثماني خورشد باشا لحد ما تم خلعه واتولى محمد علي باشا حكم البلد

بالنسبة للسؤال الأخير فـ دي معلومة غلط لأن عدد القوات المشاركة في الحملة الفرنسية كانت 36 ألف عسكري، ومعاهم قرابة الـ2000 عالم وباحث في كل العلوم الطبيعية والاجتماعية والفنون وكل مناحي الحياة لدراسة مصر من كل النواحي دراسة عميقة ودقيقة وقدموا لينا كتاب من أفضل وأقيم الكتب عن مصر وهو "وصف مصر"




المصادر:
- الفكر المصري في القرن الـ18 بين الجمود والتجديد، عبدالله العزباوي
- المختار في تاريخ الجبرتي (الحملة الفرنسية في مصر)، محمد عناني
- أطلس التاريخ الأفريقي، كولين ماكيفيدي
- 5 Grand Goals Napoleon Aimed to Achieve in Egypt، warhistoryonline 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بعثة الملك نخاو للدوران حول أفريقيا

اللون البنفسجي.. من لبنان للعالم القديم وأغلى من الدهب

"النوبية".. لغة ولا لهجة؟