العانيون والنوبيون.. تهجيرات السدود في العراق ومصر
مدينة "عانة" مدينة عراقية واقعة في محافظة الأنبار غربي العراق، بتتميز المدينة باحتوائها على أثار تاريخية عبر تاريخ المدينة الطويل، الفترات الأشورية والبابلية وأخيرًا الإسلامية.
عانة تعتبر من أقدم مدن العالم التي ما تزال مأهولة حتى الآن، لمدة 42 قرن، وذكرت في المخطوطات البابلية والمخطوطات العائدة لآشور ناصربال الثاني وتوكولتي- نينورتا الثاني وذكرها مؤرخون مثل أميانوس مارسيليانوس وزوميوس.
أكثر أثار المدينة بتعود للحقب الإسلامية، التي منها ما يقع في جزيرة الباد، وفيها أثار منارة تبرز بين اطلال ديار قديمة وهي مثمنة المظهر، وهذه المنارة فريدة في شكلها وعمارتها بالمقارنة مع منائر العراق، حيث بنيت من كسر الحجر والجص، ويعتقد إنها تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي. ويوجد على مرمى حجر شمال عانة في مكان يدعى بالمشهد جامع قديم يدعى مشهد، وهو يرجع للحقبة العباسية، وكذلك الحال في جامع يقع جنوب المدينة ويدعى مسجد الخليلية.
في فترة الثمانيات اعتزم الرئيس السابق صدام حسين، بناء سد على نهر النهرات لتوليد الطاقة الكهربائية، فبني سد حديثة بمساعدة من دولة يوغوسلافيا السابقة، الذي يُعد ثاني أكبر سدود العراق من حيث توليد الطاقة.
أكتمل بناء سد حديثة عام 1987م، وكانت مدينة عانة من ضمن المناطق التي تقع ضمن حوض بحيرة الخزان الذي سيكونه هذا السد، لذلك أضطر سكان مدينة عانة إلى الهجرة وترك منازلهم ومدينتهم التي سيغرقها السد وتوجهو إلى مدينة أخرى كانت قد أقامتها لهم الدولة آنذاك تعويضًا لهم عن فقدانهم لمنازلهم التي أغرقت في مياه مشروع السد، وبذلك أصبحت المدينة التي غرقت تسمى بعانة القديمة، والمدينة البديلة عُرف باسم عانة الجديدة.
المدينة الجديدة التي أقيمت تعويضًا لسكان مدينة عانة تعتبر مدينة نموذجية حديثة من حيث التصميم وطراز البناء ونوع البناء وحجمه، ومن إداخال كافة المرافق وبناء مستشفيات والمدارس بها، حيث أسندر إقامتها لإحدى الشركات الفرنسية الكبرى.
ما شهده سكان عانة شهده سكان النوبة في بناء السد العالي، قبلهم بأكثر من 20 عام، لكن الفرق أن النوبيين لم يتم بناء مدن أو قرى مثل قراهم القديمة الغارقة تحت مياه النيل، لكن بُنيت منازل إيواء غير ملائمة لطبيعة وبيئة النوبيين، ضيقة ولا يوجد لها مرافق، بل أن الدولة كذبت عليهم بعودتهم مرة أخرى لضفاف النيل، وتركتهم في صحراء كوم أمبو يواجهون مصيرهم، وهو ما دفع كثير منهم للهجرة للشمال لمحافظات مصر المختلفة وخارج مصر طلبًا للرزق والمعيشة، وللجنوب لداخل السودان.
سكان مدينة عانة بالرغم من التعوضيات عانوا الألم النفسي بسبب فقدانهم لمدينتهم التي عشقوا مائها وبساتينها وجزيراتها وشوارعها التي كانت تمتد وسط الخضرة والجبال، حتى ان أحد سكان عانة قال: "لو اعطونا ذهبًا وبنوا لنا مساكن من الماس فلن يعوضوا لنا مدينتنا".
والنوبيون لم يعوضوا وكذلك يعانون من الألم النفسي لعشرات السنين وما زالوا يبحثون عن حقوقهم، حقوق بعضهم الذي تم تهجيرهم 4 مرات بسبب خزان أسوان ولم يعوضوا، وحقوق البعض الأخر الذين تم تهجيرهم لبناء السد العالي، في هجرة تعد الأكبر في تاريخ مصر كلها.
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف