فلسفة الفلاح المصري وتصوراته عن الكون



في مفهوم المصريين بشكل شبه عام تم تصوير الفلاحين بإنهم ناس سلبيين لهم صفات سيئة كتير منها اللؤمّ والخبث والدهاء، واتحطوا في القوالب دي وبقت كلمة "فلاح" مسبة بيوجهها الأشخاص لبعض
ودي مش حاجة جديدة، مش ابتكار واكتشاف حديث وموضة لكنها قديمة جدًا في الأدبيات الاجتماعية للمصريين، لدرجة أن المستشرقين اهتموا بالمفاهيم دي لأنهم كانوا عندهم نفس التصورات حولين الفلاحين المصريين خاصةً
من أبرز المستشرقين دول هو العالم لين (laine) سنة 1846، وبعده جيه العالم الاجتماعي الإنجليزي وينيفريد إس بلاكمان، زار قرى الصعيد سنة 1927 وألف كتاب ضخم بعنوان "The Fellahin of Upper Egypt" وموجود نسخة منه في المتحف البريطاني في لندن، وموجود نسخ بتتباع أونلاين



بلاكمان اِحتكّ بالفلاحين في مصر وقال إنه كان بيتم تصويرهم إنهم زي الستات مش بيعملوا حاجة وكسالى، لكن في واقع الأمر هما مش كسالى لكنهم صبورين وبيعيشوا يومهم وفاقدين للطموح إلى حد كبير ودي النقاط الأساسية السلبية في شخصية الفلاح المصري.. الفلاح شبه النيل غير مُبالي وهادي
لكن على الرغم من كون الفلاحين غير مشاركين في الأمور السياسية واهتمامهم وشغفهم بزراعة أرضهم هو كل حياتهم، دة ممنعهمش من المشاركة في الأحداث الكبيرة اللي عدّت على مصر زيهم زي أهل الحضر والمدن، خلال الأزمات السياسية من 1882 ولحد ثورة 1919 ومقاومة الاستعمار الإنجليزي وقبله الفرنساوي وقصص الكفاح اللي ملهاش حصر

ودة بينقلنا للنقطة الأهم وأساس الكلام دة إن الفلاحين كانوا فلاسفة بالفطرة وتفاعلهم مع البيئة خلق عندهم تصورات كتير حولين ذاتهم والحياة والبشر والكون نفسه
اختلطت الأساطير القديمة بالدين والعادات والتقاليد ونتج عنه التدين الشعبي الريفي المميز، اللي كان له تصورات بسيطة عن الكون، ورغم مرور الوقت وانتشار التعليم وتطوره برده فضلت المفاهيم دي موجودة
وظهر دة في عاداتهم وتراثهم وحتى أغانيهم البسيطة اللي بتنم عن فهم وإدراك عميق للظواهر الكونية وتعريف الوحدانية الإلهية بالنسبة ليهم بعيدًا عن التعريفات والمفاهيم المجعلصة
واحدة من الأغاني البسيطة الحلوة القديييمة دي بتقول
الميّة بتسجي (بتسقي) الشجر لكن الثمر مش واحد
والنخل يشبه لبعضه لكن الثمر مش واحد
والبحر والنهر ميّه لكن الطعم مش واحد
والسما مرفوعة لكن بلا عمد واحد
والناس مخلوقة من التراب لكن الشبه مش واحد
والبطن واحدة لكن الخلف مش واحد
والإخوة بيبجوا (بيبقوا) أشجة (أشقّة) لكن الطبع مش واحد
والدنيا فانية وكل الناس شاربة من كاس واحد
وكل شيء في الكون خلجه (خلقه) إله واحد
ودي حكمتك في الكون يا الله يا واحد
اذكر الله يا مؤمن ووحد الواحد




المصادر:
- كتاب التدين والتصور الشعبي للكون
- الموقع الإلكتروني للمتحف البريطاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بعثة الملك نخاو للدوران حول أفريقيا

اللون البنفسجي.. من لبنان للعالم القديم وأغلى من الدهب

"النوبية".. لغة ولا لهجة؟