الذكرى الـ214 على تنصيب محمد علي باشا والي على مصر.. رائد التنوع في المجتمع المصري



زي النهاردة من 214 سنة أجمع علماء مصر وزعاماتها وقياداتها الشعبية على تنصيب محمد علي باشا إنه يكون والي على مصر، في حالة سياسية شديدة الحساسية بين الإنجليز والفرنساويين والدولة العثمانية والمماليك وبين المصريين بزعمائهم الوطنيين
سواء نتفق أو نختلف على الطبيعة السياسية لمحمد علي باشا في الفترة دي، وإزاي بدأ فترة ولايته وقضاءه على بعض الزعامات المصرية غير الموالية له والمماليك كذلك وغيرهم، وفي حاجات كتير ليا تحفظات عليها، لكن في فترة محمد علي باشا اللي امتد حكمه لـ43 سنة وأسس أسرة ملكية "الأسرة العلوية" امتد حكمها لحد انقلاب 23 يوليو، اللي يهمني في فترته دي هي الحالة الفريدة من نوعها اللي كان عليها المجتمع المصري
محمد علي باشا كان شخصية فريدة في تاريخ مصر ومثيرة للاهتمام جدًا جدًا، بدأ حياته من الصفر لحد لما وصل لحكم مصر وإمتد سلطانه بعد كدة لمناطق كتير منها السودان واليونان وقبرص والشام والحجاز وغيرهم، فاختلط المصريين سكان وادي النيل بغيرهم من الشعوب والثقافات المختلفة عنهم، وحصل مزيج مدهش للمجتمع المصري بعتبره إنه هو الأول من نوعه في تاريخ مصر من قبل كدة
محمد علي باشا هو مؤسس مصر الحديثة، في كل المجالات وكمان بنسب له الفضل في إنه سبب أساسي في التنويعة الديموغرافية الكبيرة في الشعب المصري اللي حصلت من بعد لما شجع الأجانب (أجنبي القصد هو غير المصري أو المُهاجر لمصر واتمصر مع الوقت وبقى مصري من أصل أجنبي) على الهجرة لمصر و لشغل فيها، فـ فترة حكم محمد علي باشا كانت من أكتر الفترات في تاريخ مصر بالكامل اللي شهد هجرات لشعوب كتير من أماكن كتير
في زمن عزيز مصر كان موجود الأرمن والشركس واليهود والأتراك (بكافة قبائلهم) والشوام والأوروبين خصوصًا اليونانيين والقبارصة والطليان وغيرهم وغيرهم، كل دول هاجروا لمصر في العصر الذهبي للدولة المصرية في ثوبها الجديد الحداثي اللي صنعه محمد علي
كان في جانب سيء لـ دة مش هنكره وهو إن محمد علي للأسف كان بيفضل الأجانب من ذوي الخبرة والمهارة والثقة على المواطنين المصريين في إدارة مفاصل الدولة، فكان لهم إمتيازات كبيرة وكانوا بيعتبروا إنهم في المرتبة العليا في المجتمع
هم البشوات والبكوات اللي بيحتلوا مناصب الدولة الكبيرة والاقتصاد اللي كان بيسيطر عليه بشكل كامل الأجانب خصوصًا الأرمن و اليهود و اليونانيين وفي النقطة دي تحديدًا ممكن مش هلومه لأنه إدى العيش لخبازه وإن العناصر دي كانت معروفة إنهم من أفضل التجار في الشرق القديم وسمعتهم كانت عالمية، فعلشان كدة الاقتصاد المصري قام على أكتافهم وكان هو الأكبر في المنطقة ومصر كانت قوى اقتصادية عظمى وناطح بيها الدولة العالمية ومنهم الإمبراطورية العثمانية نفسها
مجموعات الأرمن واليهود واليونان كانت كل مجموعة منهم بينافسوا التانيين على مين اللي يستحوذ على أكبر قدر من النفوذ و التقرب أكتر و أكتر من محمد علي
كان لهم الكلمة والتحكم في كل كبيرة وصغيرة تخص اقتصاد مصر و التجارة و المعاملات المالية والمصرفية و كل شيء وحتي إنهم كانوا مستشاريين في كل الوزارات و حتي تولي مناصب الوزراء و السفراء و كل شئ لكن المصريين كانوا مجرد عمال أو موظفيين صغيريين ملهمش أي دور في أي شئ كان بيتفرض علي الفلاحيين ضرايب كتيرة و علي العمال كانوا بيشتغلوا في المشروعات الكبيرة اللي اتعملت في مصر في عهدة بالسخرة
من مزايا محمد علي باشا واللي ساعدت على التنوية في المجتمع من ما بين مسلمين ومسيحيين ويهود بك أطباهم وطوائفهم في الأديان التلاتة، إنه كان متسامح دينيًا جدًا لأقصى مدى مع غير المسلميين من المسيحيين واليهود وحتي كان الأتراك العثمانيين وخصومه بيتهموه بـ ده وخدوها حُجة ضده إنه أقرب للمسيحيين (خصوصًا الأرمن) من المسلمين، فكان مستشاره الاقتصادي الأول ووزير تجارة إمبراطوريته هو يوسف بوغوسيان الأرمني "أبو الأرمن في مصر"، فـ بعد كدة بقي في عدواة سياسية/دينية ما بين الأرمن واليونانيين، وبين الأتراك على مين اللي يكون له الكلمة الأعلى في مصر وصاحب النفوذ الأوسع
لكن محمد علي باشا كان ذكي جدًا وعرف وقدر إنه إزاي يطوّع الكل له وويستفيد من كل العناصر الموجودة في مصر لخدمته وخدمة الدولة، ويكسب ولاء الأجانب له وطبعًا ده مش من غير مقابل فكانوا هم البناة الحقيقيين لمصر اقتصاديًا و صناعيًا (حتي في الحرف البسيطة) وتجاريًا وحتى فنيًا وفي كل مجالات ونواحي الفنون
الأجانب هم اللي ارتقوا بالفن الحديث وفنون المسرح والتمثيل والغناء في مصر و طوروه و كان هو بيديهم الامتيازات والعطايا والفلوس والأطيان (الأراضي الزراعية) والمناصب الكبيرة فكانوا هما الطبقة الأرستقراطية في مصر
و كمان حصل للمصريين ثراء ثقافي كبير بعد كدة بمرور الوقت كل المكونات اللي جات لمصر أمتزجت في الشعب و أنتجت مخزون ثقافي كبير وبالرغم من إن المصريين في عهد محمد علي كانوا و من بعده كانوا مش راضيين علي سياسة إن الأجنبي هو اللي يكون له كل شيء و هم ولا شيء إلا إنهم مكنوش فيهم حتة العنصرية أو التمييز أو الكراهية الكبيرة ضد الأجانب نفسهم بالعكس حتى الحرفيين والصناع والموظفيين الصغيرين من الأرمن و الشركس و اليهود والشوام منهم السوريين وغيرهم وغيرهم كانوا عايشيين ومنتشريين في المناطق الشعبية مع المصريين، خصوصًا في أحياء شبرا والعباسية والأزبكية و غيرها من الأحياء في القاهرة
وكمان في الإسكندرية اللي كانت الميناء الأساسي و الرئيسي للمهاجريين لمصر وكانوا في باقي مدن مصر بس بش أقل و مكنوش عايشيين في جيتو خاص لهم مكنش فيه جيتو للأرمن أو لليونانين أو اليهود أو الأتراك ولا غيرهم و دة بيظهر إن إزاي كان في تسامح ما بين المصريين و بينهم و دة اللي بعد كدة كان سبب في انصهارهم في الشعب المصري.


المصادر: 
- تاريخ الجالية الأرمنية في مصر، محمد رفعت
- الشوام في مصر، السيد عبد المقصود
- محمد علي باشا بدايات قاسية ومجد عظيم، نشأت الديهي
- تولي محمد علي باشا حكم مصر، ذاكرة مصر المعاصرة
- فاروق مصر، الأسرة العلوية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"النوبية".. لغة ولا لهجة؟

بعثة الملك نخاو للدوران حول أفريقيا

اللون البنفسجي.. من لبنان للعالم القديم وأغلى من الدهب